عائلة الفريح لها تواجد كبير في كل من السعودية والكويت. لكن هناك أكثر من عائلة تحمل الاسم نفسه ويرجعون لعدة قبائل. وبالرجوع إلى كتب النسابون والأنساب حول أصولها نجد أن عائلة الفريح في البكيرية من العائلات المشهورة والمعروفة في هذه المدينة القصيمية، وأنهم من العناقر من بني سعد بن زيد من قبيلة بني تميم من أشيقر، وانتقل بعض أجدادها إلى مناطق أخرى مثل سدير وعنيزة والكويت والزبير. أما الموجودون منهم في بريدة والزلفي فينتسبون إلى آل مقرن من الأساعدة الروقي العتيبي من قبيلة عنزة.
وقد خصصت السيدة فوزية صالح الرومي في كتابها «تاريخ نزوح العائلات الكويتية» بضع صفحات للحديث عن آل فريح في الكويت فقالت إنهم من الفرحة من بلدة أشيقر، إحدى بلدات الوشم في نجد، وإنهم يتواجدون في السعودية والكويت والعراق، وإن أسباب نزوحهم من نجد إلى الكويت هو القحط الذي أصاب نجد، مضيفة أن جد العائلة هو محمد عثمان إبراهيم محمد علي يوسف الفريح الذي أنجب من زوجته الثانية (ابنة عمه سبيكة) كلا من عثمان وعلي. أما الأول عثمان محمد عثمان الفريح فقد غادر الكويت إلى الزبير والبصرة في العقد الثاني من أوائل القرن العشرين على أثر اختلافه مع بعض تجار الكويت على بيع الأرز، فالتحق هناك بمن كان سبقه من آل فريح في الفترة ما بين 1892 ــ 1893م. وأما علي محمد عثمان الفريح فقد غادر إلى الهند، حيث امتلك مصنع شراكة مع شقيقه عثمان لصناعة غتر الشماغ، وتزوج هناك من سبيكة البسام، قبل أن يغادر الهند نهائيا إلى البصرة.
ما يهمنا هنا هو تناول سيرة الأستاذ محمد بن عبدالرحمن بن عثمان الفريح الذي يعد أول ملحق ثقافي سعودي في الخارج. ونستعين في سرد سيرته بما كتب عنه في الصحافة والمطبوعات، وتحديدا ما كتبه أستاذنا محمد بن عبدالرزاق القشعمي في الجزء الأول من كتابه «أعلام في الظل» (دار الانتشار العربي/ بيروت، الطبعة الأولى، 2018).
مواليد عنيزة
أورد الشيخ محمد العبودي في كتابه «معجم أسر عنيزة» ترجمة قصيرة عن الفريح فقال إنه ولد في عنيزة في عام 1347 للهجرة، بينما نجد في الجزء الثاني من «موسوعة الشخصيات السعودية» التي أصدرتها مؤسسة عكاظ للصحافة، أنه من مواليد عنيزة في عام 1354 للهجرة (1935م). ونعتقد أن التاريخ الأول هو الأصح؛ لأن صاحبنا تلقى تعليمه الأولي على يد الشيخ عبدالعزيز الدامغ، ثم التحق بأولى مدارس عنيزة الابتدائية الحكومية (المدرسة السعودية)، وهذه افتتحت عام 1356 للهجرة، فلو اعتمدنا تاريخ ميلاده المذكور في الموسوعة، فهذا يعني أنه التحق بالمدرسة السعودية في سن الثانية وهذا بطبيعة الحال من المحال. بعد إتمامه لدراسته الابتدائية في المدرسة المذكورة، واصل تعليمه حتى الشهادة الثانوية في المعهد العلمي السعودي (أول مدرسة حكومية نظامية أنشأها الملك عبدالعزيز في مكة وذلك في عام 1927)، ومدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة (افتتحت رسميا في عام 1937م). وعلى إثر تخرجه من المدرسة الأخيرة حصل على بعثة دراسية إلى مصر، حيث درس هناك في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) والتي منحته ليسانس الآداب، وكان ضمن من تولوا تدريسه الأديبة المصرية الكبيرة الدكتورة سهير القلماوي.
شغف الصحافة والكتابة
شغف الفريح بالصحافة والكتابة منذ أن كان طالبا في مدرسة تحضير البعثات، بدليل ما ذكره زميله الأديب عبدالله القرعاوي في مذكراته من أن صاحبنا ترأس تحرير مجلة «الشباب» أثناء دراسته بتلك المدرسة سنة 1942م. هذا ناهيك عما ذكره علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في الجزء الثاني من كتابه «من سوانح الذاكرة» حول صدور مجلته «اليمامة» وطبعها في القاهرة سنة 1953 من أن الطلبة السعوديين الدارسين آنذاك في القاهرة شاركوه في إعداد المقالات ومتابعة عملية طباعة المجلة، آتيا على ذكر أسمائهم ومن ضمنهم محمد بن عبدالرحمن الفريح وزملائه ممن تسنموا لاحقا أعلى المراكز في الدولة مثل ناصر المنقور وصالح الحصين وعبدالرحمن أبا الخيل وحسن المشاري وإبراهيم العنقري وعبدالله الطريقي وعبدالرحمن بن سليمان آل الشيخ وعبدالرزاق الريس.
يقول الأستاذ القشعمي إنه حضر حفلا في مركز حمد الجاسر الثقافي (دارة العرب) بالرياض عام 2014 بمناسبة مرور 63 عاما على صدور مجلة اليمامة، فرأى الفريح متواجدا بين الحضور وهو يتوكأ على عصاه ويمشي بصعوبة، وسمعه يقول بتأثر بالغ: «كأنه اليوم عندما حضرت ولادة العدد الأول من اليمامة بالقاهرة. كنا نسهر مع الشيخ حمد (الجاسر) نصحح المقالات وننقلها بحماس للمطبعة، كأننا نسابق الزمن».
الناقد الشاعر
وأخبرنا القشعمي أيضا شيئا من مساهمات الفريح المبكرة في مجلة اليمامة زمن دراسته في القاهرة، فقال إنه نشر مقالا نقديا حول ديوان «همسات» للشاعر السعودي طاهر زمخشري في العدد الثاني من مجلة اليمامة في سبتمبر 1953، ثم أكمله في العدد الرابع الصادر في نوفمبر من نفس العام. ومما قاله الفريح في مقالته النقدية هذه: «شيء واحد آمنت به عندما قلبت ديوان همسات للأستاذ الشاعر طاهر زمخشري.. هذا الشيء هو أن هذا الديوان أو أكثره لايساوي شيئا في مجال القيمة الفنية»، مضيفا: «وما هي مهمة النقد إنْ لم يكن تصوير الانطباعات الشعورية التي تنعكس على صفحة النفس أثناء تناول الأثر الفني بالدرس والقراءة؟».
إلى ذلك، قرض الفريح الشعر أثناء سنوات دراسته بجامعة فؤاد الأول، فنظم عددا من القصائد بينها قصيدتان نشرهما صالح جمال الحريري في كتابه «من وحي البعثات السعودية» الصادر سنة 1949م، وكانت الأولى بمناسبة عيد الشباب وحملت عنوان «عيد الشباب»، والثانية بمناسبة حفل أقامته دار البعثات السعودية بالقاهرة بمناسبة زيارة الشيخ محمد المانع مدير المعارف العام بالسعودية إلى مصر في حدود عام 1948م. كما نظم في تلك الفترة قصيدة أخرى وطنية مؤثرة ترحيبا بعودة الجيش السعودي من فلسطين يقول مطلعها: الأرض سكرى والخلائق نومُ.. والشر يفتك في البلاد ويظلمُ.
من المعارف إلى العمل الحر
بعد عودة الفريح إلى السعودية متوجا بشهادته الجامعية التحق للعمل بوزارة المعارف وتدرج في وظائفها. فمن مدير للتحريرات إلى مساعد للمدير العام للإدارة، فإلى ملحق ثقافي لدى سوريا ولبنان ليدخل بذلك تاريخ بلده كأول ملحق ثقافي سعودي في الخارج. وبعد عودته من سوريا ولبنان تمّ تعيينه مديرا عاما لوزارة المعارف، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى تاريخ تقاعده. وبعد أن تقاعد خاض غمار العمل الحر فأسس في عام 1969 «المؤسسة الشرقية للتجارة والصناعة والمقاولات» وتولى منصب مديرها العام، وأنشأ في عام 1977 «شركة الخزف السعودية» وتولى رئاسة مجلس إدارتها. كما انتخب عضوا بمجلس إدارة شركة كهرباء الرياض ثم عين مديرا للشركة، وعمل مديرا عاما لشركة أسمنت اليمامة، وانتخب عضوا بمجلس إدارة البنك السعودي الهولندي، ثم تولى رئاسة مجلس إدارة البنك من عام 1980 إلى 1989. إلى ذلك تولى رئاسة مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض في دورتين متتابعتين هما الدورة السادسة والسابعة، أي من عام 1975 إلى 1981. وقد جاء في الكتاب التذكاري لغرفة تجارة الرياض الصادر تحت عنوان «50 عاما من العطاء والريادة» أن المرحلة التي تولى فيها الفريح قيادة الغرفة توافقت مع قيام الدولة بتفيذ خططها التنموية الأولى وتوسع نشاط القطاع الخاص بشكل هائل، فكانت مرحلة البناء الأساسية التي تم فيها إرساء قاعدة مشاركة منتسبي الغرفة في بحث الأمور التي تعنيهم وتطوير أنشطتهم من خلال تشكيل اللجان القطاعية من بعض المنتسبين من ذوي الخبرة مع توسعة الجهاز التنفيذي ممثلاً في الأمانة العامة للغرفة، حيث شهدت تلك الفترة تأسيس العديد من لجان وأقسام وإدارات الغرفة مثل: اللجنة الصناعية ومركز المعلومات وإدارة العلاقات العامة والإدارة الصناعية وإدارة الشؤون القانونية وإدارة البحوث ومركز التدريب والتطوير الإداري ومركز الحاسب الآلي.
مكتبة عامرة بشتى المؤلفات
وجاء في كلمة للفريح نشرت في هذه المطبوعة التاريخية ضمن باب «من ذكريات المعاصرين» النص التالي: «غرفة الرياض هي أول غرفة في المملكة تجري انتخابات حقيقية لاختيار أعضائها، إذ كانت المسائل تتم باتفاق بين المجموعات في كل الغرف والوزير يعين الثلث (.....) وكانت الدورة السادسة هي أول دورة تجري فيها انتخابات حقيقية، وجرت فيها منافسة بين لائحتين تتسابقان على برنامجين لخدمة قطاع الأعمال، وبالتالي أستطيع القول إنني أول رئيس منتخب لغرفة الرياض على مستوى الغرف السعودية على الإطلاق (....) وبدأت الغرفة تتسع أنشطتها بالتدرج واكتساب المهنية حتى أنشئ المبنى القائم الآن الذي كنت أنا من تشرف بتوقيع عقد إنشائه، وكنا وقتها نعمل في المبنى المؤقت الذي كان ملاصقاً لهذا المبنى، وقبل ذلك كنا في شقة بشارع الخزان».
وتتويجا لتخصصه الجامعي وشغفه بالأدب والشعر والصحافة، وتأسيا بالأدباء الكبار، أخلص الفريح للكتاب فعمل على تأسيس مكتبته الخاصة العامرة بشتى المؤلفات. وحول هذا كتب الدكتور عبدالكريم محمد الأسعد (الأستاذ سابقا بكلية الآداب في جامعة الملك سعود) في سياق حديثه عن أشخاص أعجب بهم من أهل عنيزة: «الأستاذ الأديب والعصامي الأريب محمد العبدالرحمن الفريح يقتني مكتبة ليس كمثلها مكتبة، ويخلص للكتب التي تحتويها إخلاصه لأهله وذويه وأصدقائه، ويداوم على الاحتفاء بها ومصادقتها والنظر فيها والاستفادة منها، ويحسن الاستنتاج السليم والدقيق من كل جديد في جميع ألوان المعرفة.. ملكة صافية ولسان حلو وعقل متفتح وبشاشة بلا نظير».
فبراير 2022.. الرحيل
مؤخرا، وتحديدا في يوم الخميس الموافق للعاشر من شهر فبراير سنة 2022م أغمض الفريح عينيه مودعا الدنيا بمنزله في حي الربوة بالرياض، فبكاه ونعاه الكثيرون ممن عرفوه أو زاملوه، ومنهم ابن مدينة الرس سليمان الجاسر الحربش المدير العام والرئيس التنفيذي السابق لصندوق أوبك للتنمية (أوفيد) الذي كتب في صحيفة الجزيرة السعودية قائلا إنه سمع به منذ خمسينات القرن العشرين حينما وقع في يده كتاب مصور عن حرب فلسطين احتوى على صورته وقصيدته المشار إليها آنفا عن نكبة العرب في فلسطين، قبل أن يصبح بعد عشرات السنين من رواد الخميسية المعروفة التي كان الفقيد يعقدها كل خميس بمنزله. وأضاف الجاسر مستطردا: «لقد جمعتني بالفقيد هواية الأدب والفن والشعر، كنا زوجتي وأنا عندما نزورهم خارج يوم الخميس، نقضي أمتع الأوقات في نقاش عن الشعراء الذين أحَبّهم مثل: شوقي، وناجي، وعلي محمود طه، وأحمد فتحي، وكان يحتفظ بتسجيلات راقية لقصائدهم الخالدة مثل: كليوبترا، والكرنك، والجندول، والأطلال، وكان -رحمه الله- يجد متعة خاصة عندما يحاول أن يتذكر من هو مؤلف قصيدة مثل (النهر الخالد)، أو (عندما يأتي المساء) وغيرها من روائع النغم. وإلى جانب هذه الخصال الحميدة التي تنقّي الوجدان وتطهر القلب، كان مجمعاً لمكارم الأخلاق، كان صادق النية، سامياً في أخلاقه، أصيلاً في تفكيره، متواضعاً في نقاشه، مراجعاً لنفسه عندما يكتشف أن الصواب إلى جانب من يطارحه الفكرة. كان يقدس الكلمة الصادقة، ويرى أنها مفتاح التفاهم بين الأمم، وكان محباً للشعر الجيد المبني على صدق العاطفة وبلاغة القول، وكان ينأى بنفسه عن الكلام الساقط نثراً أو شعراً».
اللقاء الأخير
وأخبرنا الجاسر أيضا عما حدث بينه وبين الفريح -رحمه الله- في آخر خميسية جمعتهما فكتب: «في آخر خميس استقبل فيه رواد منزله العامر، اقتربت منه وقلت له إن الدكتور صلاح فضل أستاذ الأدب العربي في جامعة عين شمس، أصدر كتاباً بعنوان (صدى الذاكرة)، أرسل لي نسخة منه، وفي الكتاب يروي أن طه حسين كان يبدي اهتماماً خاصاً بسهير القلماوي تلميذته، وعندما ذكرت اسم الدكتورة سهير انفرجت أسارير أبي عبدالرحمن وانتشى ورفع رأسه، وقال بصوت لم تكدره الكمامة: سهير أستاذتي في كلية الآداب، أرسل لي نسخة من الكتاب، وعندما عدت إلى منزلي، هاتفني معقباً على رغبته وقد لبيتها، وقبيل وفاته بأيام هاتفته وكان في جعبتي بعض ما كان يروق له من طُرَفٍ، لكنه لم يكن النديم الذي عهدته، كان صوته يخبو في مسمعي رويداً رويداً، لم ألتقط منه إلا تلك الكلمة التي لا تخطئها الأذن، وقد لازمته في ختام حديثه على الهاتف: تسلم تسلم تسلم».
والمعروف أن الفقيد تزوج في سن متأخرة، فلم ينجب سوى ابن وحيد سماه على اسم والده عبدالرحمن. وعبدالرحمن محمد عبدالرحمن الفريح هذا عمل في البنك السعودي الفرنسي، قبل أن يتفرغ لإدارة أملاك والده بعد أن تقدم السن بأبيه.
ونختتم بأبيات من شعر الفقيد الفريح:
شباب بلادي وأنتم لهـــــــا إذا ما دعت خير فرسانهــا
أزيحوا الغشاوة عن عينها وبثوا الحياة بجثمانهــــــا
وشيدوا لها عمـــــلا خالــدا وأدوا الحقوق لديانهـــــــا
وقولوا لها قد وجدنا الحياة بعلم البلاد وعمرانهـــــــا
ولا تســـــــتكينوا فإقدامكم لأحلامنا سطح برهانهـــــا
شباب تســامى لنيل المنى وقاد المعالي بأرسانهـــــا
مناصب الفريح:
مديرا عاما لوزارة المعارف
رئيس مجلس إدارة شركة الخزف
مديرا عاما لشركة أسمنت اليمامة
رئيس مجلس إدارة «غرفة الرياض»
وقد خصصت السيدة فوزية صالح الرومي في كتابها «تاريخ نزوح العائلات الكويتية» بضع صفحات للحديث عن آل فريح في الكويت فقالت إنهم من الفرحة من بلدة أشيقر، إحدى بلدات الوشم في نجد، وإنهم يتواجدون في السعودية والكويت والعراق، وإن أسباب نزوحهم من نجد إلى الكويت هو القحط الذي أصاب نجد، مضيفة أن جد العائلة هو محمد عثمان إبراهيم محمد علي يوسف الفريح الذي أنجب من زوجته الثانية (ابنة عمه سبيكة) كلا من عثمان وعلي. أما الأول عثمان محمد عثمان الفريح فقد غادر الكويت إلى الزبير والبصرة في العقد الثاني من أوائل القرن العشرين على أثر اختلافه مع بعض تجار الكويت على بيع الأرز، فالتحق هناك بمن كان سبقه من آل فريح في الفترة ما بين 1892 ــ 1893م. وأما علي محمد عثمان الفريح فقد غادر إلى الهند، حيث امتلك مصنع شراكة مع شقيقه عثمان لصناعة غتر الشماغ، وتزوج هناك من سبيكة البسام، قبل أن يغادر الهند نهائيا إلى البصرة.
ما يهمنا هنا هو تناول سيرة الأستاذ محمد بن عبدالرحمن بن عثمان الفريح الذي يعد أول ملحق ثقافي سعودي في الخارج. ونستعين في سرد سيرته بما كتب عنه في الصحافة والمطبوعات، وتحديدا ما كتبه أستاذنا محمد بن عبدالرزاق القشعمي في الجزء الأول من كتابه «أعلام في الظل» (دار الانتشار العربي/ بيروت، الطبعة الأولى، 2018).
مواليد عنيزة
أورد الشيخ محمد العبودي في كتابه «معجم أسر عنيزة» ترجمة قصيرة عن الفريح فقال إنه ولد في عنيزة في عام 1347 للهجرة، بينما نجد في الجزء الثاني من «موسوعة الشخصيات السعودية» التي أصدرتها مؤسسة عكاظ للصحافة، أنه من مواليد عنيزة في عام 1354 للهجرة (1935م). ونعتقد أن التاريخ الأول هو الأصح؛ لأن صاحبنا تلقى تعليمه الأولي على يد الشيخ عبدالعزيز الدامغ، ثم التحق بأولى مدارس عنيزة الابتدائية الحكومية (المدرسة السعودية)، وهذه افتتحت عام 1356 للهجرة، فلو اعتمدنا تاريخ ميلاده المذكور في الموسوعة، فهذا يعني أنه التحق بالمدرسة السعودية في سن الثانية وهذا بطبيعة الحال من المحال. بعد إتمامه لدراسته الابتدائية في المدرسة المذكورة، واصل تعليمه حتى الشهادة الثانوية في المعهد العلمي السعودي (أول مدرسة حكومية نظامية أنشأها الملك عبدالعزيز في مكة وذلك في عام 1927)، ومدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة (افتتحت رسميا في عام 1937م). وعلى إثر تخرجه من المدرسة الأخيرة حصل على بعثة دراسية إلى مصر، حيث درس هناك في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) والتي منحته ليسانس الآداب، وكان ضمن من تولوا تدريسه الأديبة المصرية الكبيرة الدكتورة سهير القلماوي.
شغف الصحافة والكتابة
شغف الفريح بالصحافة والكتابة منذ أن كان طالبا في مدرسة تحضير البعثات، بدليل ما ذكره زميله الأديب عبدالله القرعاوي في مذكراته من أن صاحبنا ترأس تحرير مجلة «الشباب» أثناء دراسته بتلك المدرسة سنة 1942م. هذا ناهيك عما ذكره علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في الجزء الثاني من كتابه «من سوانح الذاكرة» حول صدور مجلته «اليمامة» وطبعها في القاهرة سنة 1953 من أن الطلبة السعوديين الدارسين آنذاك في القاهرة شاركوه في إعداد المقالات ومتابعة عملية طباعة المجلة، آتيا على ذكر أسمائهم ومن ضمنهم محمد بن عبدالرحمن الفريح وزملائه ممن تسنموا لاحقا أعلى المراكز في الدولة مثل ناصر المنقور وصالح الحصين وعبدالرحمن أبا الخيل وحسن المشاري وإبراهيم العنقري وعبدالله الطريقي وعبدالرحمن بن سليمان آل الشيخ وعبدالرزاق الريس.
يقول الأستاذ القشعمي إنه حضر حفلا في مركز حمد الجاسر الثقافي (دارة العرب) بالرياض عام 2014 بمناسبة مرور 63 عاما على صدور مجلة اليمامة، فرأى الفريح متواجدا بين الحضور وهو يتوكأ على عصاه ويمشي بصعوبة، وسمعه يقول بتأثر بالغ: «كأنه اليوم عندما حضرت ولادة العدد الأول من اليمامة بالقاهرة. كنا نسهر مع الشيخ حمد (الجاسر) نصحح المقالات وننقلها بحماس للمطبعة، كأننا نسابق الزمن».
الناقد الشاعر
وأخبرنا القشعمي أيضا شيئا من مساهمات الفريح المبكرة في مجلة اليمامة زمن دراسته في القاهرة، فقال إنه نشر مقالا نقديا حول ديوان «همسات» للشاعر السعودي طاهر زمخشري في العدد الثاني من مجلة اليمامة في سبتمبر 1953، ثم أكمله في العدد الرابع الصادر في نوفمبر من نفس العام. ومما قاله الفريح في مقالته النقدية هذه: «شيء واحد آمنت به عندما قلبت ديوان همسات للأستاذ الشاعر طاهر زمخشري.. هذا الشيء هو أن هذا الديوان أو أكثره لايساوي شيئا في مجال القيمة الفنية»، مضيفا: «وما هي مهمة النقد إنْ لم يكن تصوير الانطباعات الشعورية التي تنعكس على صفحة النفس أثناء تناول الأثر الفني بالدرس والقراءة؟».
إلى ذلك، قرض الفريح الشعر أثناء سنوات دراسته بجامعة فؤاد الأول، فنظم عددا من القصائد بينها قصيدتان نشرهما صالح جمال الحريري في كتابه «من وحي البعثات السعودية» الصادر سنة 1949م، وكانت الأولى بمناسبة عيد الشباب وحملت عنوان «عيد الشباب»، والثانية بمناسبة حفل أقامته دار البعثات السعودية بالقاهرة بمناسبة زيارة الشيخ محمد المانع مدير المعارف العام بالسعودية إلى مصر في حدود عام 1948م. كما نظم في تلك الفترة قصيدة أخرى وطنية مؤثرة ترحيبا بعودة الجيش السعودي من فلسطين يقول مطلعها: الأرض سكرى والخلائق نومُ.. والشر يفتك في البلاد ويظلمُ.
من المعارف إلى العمل الحر
بعد عودة الفريح إلى السعودية متوجا بشهادته الجامعية التحق للعمل بوزارة المعارف وتدرج في وظائفها. فمن مدير للتحريرات إلى مساعد للمدير العام للإدارة، فإلى ملحق ثقافي لدى سوريا ولبنان ليدخل بذلك تاريخ بلده كأول ملحق ثقافي سعودي في الخارج. وبعد عودته من سوريا ولبنان تمّ تعيينه مديرا عاما لوزارة المعارف، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى تاريخ تقاعده. وبعد أن تقاعد خاض غمار العمل الحر فأسس في عام 1969 «المؤسسة الشرقية للتجارة والصناعة والمقاولات» وتولى منصب مديرها العام، وأنشأ في عام 1977 «شركة الخزف السعودية» وتولى رئاسة مجلس إدارتها. كما انتخب عضوا بمجلس إدارة شركة كهرباء الرياض ثم عين مديرا للشركة، وعمل مديرا عاما لشركة أسمنت اليمامة، وانتخب عضوا بمجلس إدارة البنك السعودي الهولندي، ثم تولى رئاسة مجلس إدارة البنك من عام 1980 إلى 1989. إلى ذلك تولى رئاسة مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض في دورتين متتابعتين هما الدورة السادسة والسابعة، أي من عام 1975 إلى 1981. وقد جاء في الكتاب التذكاري لغرفة تجارة الرياض الصادر تحت عنوان «50 عاما من العطاء والريادة» أن المرحلة التي تولى فيها الفريح قيادة الغرفة توافقت مع قيام الدولة بتفيذ خططها التنموية الأولى وتوسع نشاط القطاع الخاص بشكل هائل، فكانت مرحلة البناء الأساسية التي تم فيها إرساء قاعدة مشاركة منتسبي الغرفة في بحث الأمور التي تعنيهم وتطوير أنشطتهم من خلال تشكيل اللجان القطاعية من بعض المنتسبين من ذوي الخبرة مع توسعة الجهاز التنفيذي ممثلاً في الأمانة العامة للغرفة، حيث شهدت تلك الفترة تأسيس العديد من لجان وأقسام وإدارات الغرفة مثل: اللجنة الصناعية ومركز المعلومات وإدارة العلاقات العامة والإدارة الصناعية وإدارة الشؤون القانونية وإدارة البحوث ومركز التدريب والتطوير الإداري ومركز الحاسب الآلي.
مكتبة عامرة بشتى المؤلفات
وجاء في كلمة للفريح نشرت في هذه المطبوعة التاريخية ضمن باب «من ذكريات المعاصرين» النص التالي: «غرفة الرياض هي أول غرفة في المملكة تجري انتخابات حقيقية لاختيار أعضائها، إذ كانت المسائل تتم باتفاق بين المجموعات في كل الغرف والوزير يعين الثلث (.....) وكانت الدورة السادسة هي أول دورة تجري فيها انتخابات حقيقية، وجرت فيها منافسة بين لائحتين تتسابقان على برنامجين لخدمة قطاع الأعمال، وبالتالي أستطيع القول إنني أول رئيس منتخب لغرفة الرياض على مستوى الغرف السعودية على الإطلاق (....) وبدأت الغرفة تتسع أنشطتها بالتدرج واكتساب المهنية حتى أنشئ المبنى القائم الآن الذي كنت أنا من تشرف بتوقيع عقد إنشائه، وكنا وقتها نعمل في المبنى المؤقت الذي كان ملاصقاً لهذا المبنى، وقبل ذلك كنا في شقة بشارع الخزان».
وتتويجا لتخصصه الجامعي وشغفه بالأدب والشعر والصحافة، وتأسيا بالأدباء الكبار، أخلص الفريح للكتاب فعمل على تأسيس مكتبته الخاصة العامرة بشتى المؤلفات. وحول هذا كتب الدكتور عبدالكريم محمد الأسعد (الأستاذ سابقا بكلية الآداب في جامعة الملك سعود) في سياق حديثه عن أشخاص أعجب بهم من أهل عنيزة: «الأستاذ الأديب والعصامي الأريب محمد العبدالرحمن الفريح يقتني مكتبة ليس كمثلها مكتبة، ويخلص للكتب التي تحتويها إخلاصه لأهله وذويه وأصدقائه، ويداوم على الاحتفاء بها ومصادقتها والنظر فيها والاستفادة منها، ويحسن الاستنتاج السليم والدقيق من كل جديد في جميع ألوان المعرفة.. ملكة صافية ولسان حلو وعقل متفتح وبشاشة بلا نظير».
فبراير 2022.. الرحيل
مؤخرا، وتحديدا في يوم الخميس الموافق للعاشر من شهر فبراير سنة 2022م أغمض الفريح عينيه مودعا الدنيا بمنزله في حي الربوة بالرياض، فبكاه ونعاه الكثيرون ممن عرفوه أو زاملوه، ومنهم ابن مدينة الرس سليمان الجاسر الحربش المدير العام والرئيس التنفيذي السابق لصندوق أوبك للتنمية (أوفيد) الذي كتب في صحيفة الجزيرة السعودية قائلا إنه سمع به منذ خمسينات القرن العشرين حينما وقع في يده كتاب مصور عن حرب فلسطين احتوى على صورته وقصيدته المشار إليها آنفا عن نكبة العرب في فلسطين، قبل أن يصبح بعد عشرات السنين من رواد الخميسية المعروفة التي كان الفقيد يعقدها كل خميس بمنزله. وأضاف الجاسر مستطردا: «لقد جمعتني بالفقيد هواية الأدب والفن والشعر، كنا زوجتي وأنا عندما نزورهم خارج يوم الخميس، نقضي أمتع الأوقات في نقاش عن الشعراء الذين أحَبّهم مثل: شوقي، وناجي، وعلي محمود طه، وأحمد فتحي، وكان يحتفظ بتسجيلات راقية لقصائدهم الخالدة مثل: كليوبترا، والكرنك، والجندول، والأطلال، وكان -رحمه الله- يجد متعة خاصة عندما يحاول أن يتذكر من هو مؤلف قصيدة مثل (النهر الخالد)، أو (عندما يأتي المساء) وغيرها من روائع النغم. وإلى جانب هذه الخصال الحميدة التي تنقّي الوجدان وتطهر القلب، كان مجمعاً لمكارم الأخلاق، كان صادق النية، سامياً في أخلاقه، أصيلاً في تفكيره، متواضعاً في نقاشه، مراجعاً لنفسه عندما يكتشف أن الصواب إلى جانب من يطارحه الفكرة. كان يقدس الكلمة الصادقة، ويرى أنها مفتاح التفاهم بين الأمم، وكان محباً للشعر الجيد المبني على صدق العاطفة وبلاغة القول، وكان ينأى بنفسه عن الكلام الساقط نثراً أو شعراً».
اللقاء الأخير
وأخبرنا الجاسر أيضا عما حدث بينه وبين الفريح -رحمه الله- في آخر خميسية جمعتهما فكتب: «في آخر خميس استقبل فيه رواد منزله العامر، اقتربت منه وقلت له إن الدكتور صلاح فضل أستاذ الأدب العربي في جامعة عين شمس، أصدر كتاباً بعنوان (صدى الذاكرة)، أرسل لي نسخة منه، وفي الكتاب يروي أن طه حسين كان يبدي اهتماماً خاصاً بسهير القلماوي تلميذته، وعندما ذكرت اسم الدكتورة سهير انفرجت أسارير أبي عبدالرحمن وانتشى ورفع رأسه، وقال بصوت لم تكدره الكمامة: سهير أستاذتي في كلية الآداب، أرسل لي نسخة من الكتاب، وعندما عدت إلى منزلي، هاتفني معقباً على رغبته وقد لبيتها، وقبيل وفاته بأيام هاتفته وكان في جعبتي بعض ما كان يروق له من طُرَفٍ، لكنه لم يكن النديم الذي عهدته، كان صوته يخبو في مسمعي رويداً رويداً، لم ألتقط منه إلا تلك الكلمة التي لا تخطئها الأذن، وقد لازمته في ختام حديثه على الهاتف: تسلم تسلم تسلم».
والمعروف أن الفقيد تزوج في سن متأخرة، فلم ينجب سوى ابن وحيد سماه على اسم والده عبدالرحمن. وعبدالرحمن محمد عبدالرحمن الفريح هذا عمل في البنك السعودي الفرنسي، قبل أن يتفرغ لإدارة أملاك والده بعد أن تقدم السن بأبيه.
ونختتم بأبيات من شعر الفقيد الفريح:
شباب بلادي وأنتم لهـــــــا إذا ما دعت خير فرسانهــا
أزيحوا الغشاوة عن عينها وبثوا الحياة بجثمانهــــــا
وشيدوا لها عمـــــلا خالــدا وأدوا الحقوق لديانهـــــــا
وقولوا لها قد وجدنا الحياة بعلم البلاد وعمرانهـــــــا
ولا تســـــــتكينوا فإقدامكم لأحلامنا سطح برهانهـــــا
شباب تســامى لنيل المنى وقاد المعالي بأرسانهـــــا
مناصب الفريح:
مديرا عاما لوزارة المعارف
رئيس مجلس إدارة شركة الخزف
مديرا عاما لشركة أسمنت اليمامة
رئيس مجلس إدارة «غرفة الرياض»